ترمب حصد أموال طائلة من زيارته للخليج، وهمّش إسرائيل، دون مساعدة غزة

واشنطن – سعيد عريقات
أشار إيشان ثارور ، كاتب العمود المميز في صحيفة واشنطن بوست، إلى أنه مع نهاية زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، لم تكن “الصفقة الكبرى” التي طال انتظارها لإحلال السلام في منطقة مضطربة في الأفق. بل كانت هناك العديد من الصفقات الصغيرة.
وقد يخرج ترمب من جولته في المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة – ثلاث دول نفطية غنية تؤثر عليها بشكل كبير منذ عقود ، حيث تحتفظ بقواعد عسكرية عدة متناثرة في تلك الدول، التي في المقابل تنفق عشرات الملايين من الدولارات سنويا (والبعض يقول شهريا) في عملها مع عدد من شركات الاستشارة في العاصمة الأميركية كي يكون لها نفوذ في واشنطن.
وقد روج ترمب لسلسلة من صفقات التجارة والاستثمار التي أُبرمت بتشجيعه. وأُبرمت اتفاقيات مربحة للأسلحة والطائرات ورقائق الذكاء الاصطناعي الأميركية، بينما أشاد ترامب في خطابات متعددة بنجاح هذه الدول الغنية التي تحكمها عائلات ملكية مُطلقة. تم إبرام اتفاقيات مربحة للأسلحة والطائرات ورقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية، بينما أشاد ترامب في خطابات متعددة بنجاح هذه الدول الغنية التي يحكمها ملوك مطلقو السلطة.
وبحسب بيانات البيت الأبيض، فقد أبرمت الدول الثلاث أكثر من 3.4 تريليون دولار في عقود وصفقات مع الشركات الأميركية “ما سيعود على الأميركيين بملايين الوظائف الجيدة”.
يقول ثارور : “في الرحلة التي بدت أنها تتعلق بالأعمال أكثر من الجغرافيا السياسية، لا يزال ترمب يتظاهر بآماله في السلام. مدّ يده إلى إيران، مشيرًا إلى محادثات مستقبلية محتملة بشأن برنامجها النووي. وأعلن عن هدنة مع المتمردين الحوثيين في اليمن بعد أن سمح بحملة قصف بقيمة مليار دولار لم تؤثر على قدرة الحوثيين على استهداف إسرائيل أو الشحن في البحر الأحمر. ولدهشة حتى بعض المسؤولين الأميركيين، أعلن عن وقف العقوبات على سوريا، وهي خطوة حاسمة لتعزيز النظام الانتقالي الناشئ في البلاد. كما ندد بإرث التدخل الأميركي في المنطقة”.
وبحسب الخبراء، تسببت الإشارات التي أرسلها في إثارة الذعر في إسرائيل. قبل زيارة ترمب، كانت وسائل الإعلام والمسؤولون الإسرائيليون يشيرون بالفعل إلى الطريقة التي تجاوز بها ترمب رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وهو الزعيم اليميني المتطرف ، والمقرب من الرئيس الأميركي، والذي تلقى العديد من الهدايا السياسية من البيت الأبيض في ولاية ترمب الأولى، من الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ومنحه الجولان السوري المحتل، لإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا).
ولكن في ولايته الثانية، بحسب ثارور، لم تعد رؤية ترمب للشرق الأوسط مرتبطة برؤية نتنياهو. لم يكن الزعيم الإسرائيلي – الذي صدر بحقه مذكرة اعتقال في 21 تشرين الثاني 2024 من قبل “المحكمة الجنائية الدولية- لم يكن مسرورًا بمبادرات ترمب تجاه طهران، وهدنته أحادية الجانب مع الحوثيين، وانفتاحه على سوريا، التي قصفتها إسرائيل بلا هوادة خلال الأشهر الأخيرة. استشهد تراب باتفاقات إبراهيم – الاتفاقيات التي تؤسس لعلاقات رسمية بين إسرائيل ومجموعة من الدول العربية – لكن الاتفاقيات بدت أقل أهمية في جهوده هذا الأسبوع. بالنسبة لإسرائيل، بدا أن احتمال التطبيع قد تحول إلى احتمال التهميش.
في غضون ذلك، كانت القوات الإسرائيلية تقصف قطاع غزة المحاصر. وأدى قصف أهداف مزعومة لحماس إلى مقتل مئات المدنيين في الأيام القليلة الماضية. وفي يوم الخميس وحده، أفادت جماعات محلية أن الهجمات الإسرائيلية قتلت أكثر من 100 شخص. وأخبر مدير مستشفى في شمال غزة صحيفة واشنطن بوست عن حادثة واحدة حيث استقبلوا جثث 20 طفلاً قُتلوا يوم الأربعاء. ولا تزال الأوضاع الإنسانية مروعة ، حيث يواجه واحد من كل خمسة أشخاص في القطاع المجاعة وسط حصار إسرائيلي مستمر يحظر دخول الطعام والماء والدواء منذ 2 آذار الماضي ، على مرأى ومسمع العالم كله.
يشار إلى أن نتنياهو، أعلن يوم الثلاثاء (13/5/25) ، اليوم الذي بدأ فيه ترمب زيارته للسعودية، أنه ليس هناك “سبيلا” لإسرائيل لوقف مذبحتها في غزة، متعهداً “بإكمال المهمة” والقضاء على حماس تماماً. وقد قوضت هذه الرسالة المحاولات في الدوحة، قطر، لاستئناف محادثات السلام بين الأطراف. وتعرض نتنياهو مرة أخرى لانتقادات من عائلات الرهائن المحتجزين لدى حماس الذين يخشون أن رئيس الوزراء يُعطي الأولوية لمصالحه السياسية وتحالفه مع اليمين الإسرائيلي المتطرف على معاناة الإسرائيليين المحتجزين في غزة. وأشاد ترمب يوم الاثنين بإطلاق سراح الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر – آخر مواطن أميركي محتجز لدى حماس – وأشار على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن قرار إعادته إلى إسرائيل كان “خطوة اتخذتها حماس بحسن نية”. وحملت رسالة البيت الأبيض ضمنيًا نفاد صبر تجاه نتنياهو، الذي يراه الكثيرون عائقًا أمام محاولات التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم. وقد أوضح بعض حلفاء نتنياهو من اليمين المتطرف رغبتهم في تهجير أكبر عدد ممكن من المواطنين الفلسطينيين من القطاع المدمر والمحاصر، وإعادة احتلاله إلى أجل غير مسمى.
يشار إلى أن الرئيس ترمب، لم يتخلى عن خطته الغريبة للسيطرة على غزة وإعادة تطويرها بنفسه. وقال ترمب للصحفيين: “لقد كانت غزة أرض موت ودمار لسنوات عديدة”. “لدي تصورات لغزة أعتقد أنها جيدة جدًا – اجعلها منطقة حرية. فلتتدخل الولايات المتحدة وتجعلها مجرد منطقة حرية”.
مهما كانت النتيجة، فإن الخلاف بين ترمب ونتنياهو يتلاشى. وكتب إيلان غولدنبرغ، نائب الرئيس الأول وكبير مسؤولي السياسات في منظمة “جيه ستريت”، وهي منظمة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل في واشنطن، في مذكرة بريد إلكتروني: “بالنسبة لنتنياهو، الذي اعتاد أن يوجه حلفاؤه المستوطنون سياسته في ولايته الأولى، لا بد أن النسخة الجديدة من موقف ترمب تمثل صدمة”. وأضاف: “أما بالنسبة لترمب، فإن أصدقائه في الخليج يُغدقون عليه الصفقات والمكاسب – فعندما ينظر إلى إسرائيل بقيادة بنيامين نتنياهو و[زعيم اليمين المتطرف] إيتامار بن غفير، لا يرى سوى الصداع”. ويشمل ذلك “حربًا لا نهاية لها” في غزة، وقيادة سياسية إسرائيلية “عازمة على تخريب المحادثات مع إيران”، وإسرائيل التي لا تبدو مستعدة لتقديم التنازلات السياسية اللازمة قبل أن تتمكن من الاندماج بشكل أكبر في المنطقة.