ترامب.. رقص الملوك على جثث الضحايا ..

 ترامب.. رقص الملوك على جثث الضحايا ..

اسيا العتروس

اسيا العتروس
كثيرة هي الرسائل المشفرة التي يصر الرئيس الامريكي على نشرها في خطاباته و لكن أيضا في تنقلاته و جولاته الديبلوماسية , وهي رسائل يخالها المتابع عفوية تعكس شخصية الرجل رئيس القوة الاكبر في العالم و نفسيته المرحة المحبة للسلام و هي رسائل تحتاج لفك شفرتها و قراءة ما تحتمله من تأويلات بين الترويج للسلام الوهمي في الصراعات الدموية من غزة المنكوبة على وقع عقود طويلة من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين الى الحرب الروسية الاوكرانية و كل الحروب التي يصر الرئيس ترامب على أنه تمكن في انهائها و تحقيق ما فشل في تحقيقه غيره على مدى عقود ومن ذلك الحرب بين اسرائيل وايران والهند وباكستان والكونغو و رواندا و كمبوديا وتايلند و مصر و اثيوبيا ..الا أن واقع الامر غير ذلك فحرب الابادة في غزة التي تفاخر ناتنياهو بأنه وضع حدا لها مستمرة على وقع القصف الاسرائيلي الذي أسفر عن عشرات الضحايا خلال ساعات فنحن امام كيان يجد كل المبررات لاسقاط قنابله على ضحاياه و مواصلة التجويع و محاصرة غزة و مضاعفة معاناة أهلها ..اما الحرب الاخرى المنسية التي لا يراها ترامب فهي بالتأكيد الحرب بالوكالة المجنونة في السودان التي تجري بايدي الاخوة الاعداء الذين يصرون على تفكيك ما بقي من السودان و السماح بابادة أهله ..نقول هذا الكلام و نحن نتابع رقصات ترامب حيثما حل موزعا الابتسامات العريضة الساخرة و الاستهزاء بمن حوله ..و هذه كانت و لاتزال جزءا من سياسة ترامب الغارقة في الشعبوية و الترويج للاوهام التي يتلقفها مضيفوه معتقدين أنه بطل استثنائي وصانع لسلام لا يراه و لا يفهمه غيره سلام لا عنوان ولا اسس له يقوم على اعلاء مصلحة ترامب و رؤيته في اعادة رسم خارطة العالم وفق اهواءه ..و هذه مسألة تحتاج لرصد مختلف رحلاته و خطاباته الغارقة في التناقض و اللاواقعية …
يبدوأن للرئيس الامريكي دونالد ترامب هواية لا يخفيها عن الاعين فهو عاشق للرقص , يرقص على كل الانغام الغربية والشرقية ليس مهما أن يكون راقصا بارعا ولكنه يصرعلى السماح لنفسه بالرقص والتمايل على وقع كل الموازين سواء أمام أنصاره في الداخل أوفي زياراته الخارجية وهو بذلك يصنع وسيلته الخاصة في التواصل والتأثير

على الحضور وفرض نفسه باعتباره من يمسك بخيوط اللعبة و يحركها في أي اتجاه كان معتقدا أنه بذلك يسرق الاضواء ويحول اهتمام الاعلام الى حيث يريد بعيدا عن القضايا الحساسة والمعقدة التي لا يريد التطرق اليها أوالتي يريد الهروب من مواجهتها ..
ترامب يدرك جيدا أن صورته ليست نقية و أن دوره كشريك عسكري و سياسي فاعل في حرب الابادة الاسرائيلية على غزة تجعل أصابع الاهام موجهة له أيضا بالنظر لا الى التمويلات الضخمة التي حظي بها شريكه ناتنياهو خلال الحرب فحسب و لكن أيضا لان منحه الوقت لمطلوب لتنفيذ أهدافه في غزة ووفر له الغطاء الدبلوماسي و جعل لفيتو الامريكي في خدمة جيش الاحتلال في خمس مناسبات تم خلالها اجهاض مشروع قرار لانهاء الحرب دون اعتبار لكل التقارير الانسانية و الحقوقية التي كانت تطالب بايقاف جرائم الحرب التي يمارسها جيش الاحتلال في حق اهالي غزة ..لا أحد يعتقد أن ترامب يمكن أن ينزعج لذلك و هو الذي منح مجرم الحرب ناتنياهو الضوء الاخضر لتحويل غزة الى مقبرة مفتوحة ..
يقول ترامب أنه سيزور غزة ولا نعرف ان كان ترامب سيمارس هوايته هناك و يرقص على جماجم و انقاض الضحايا و الدمار الحاصل في غزة .. ما يريده ترامب أن يختطف نوبل للسلام و يتوج سيرته قبل نهاة ولايته الثانية و الاخيرة و قد أقر ترامب في حديث صحفي أنه حتى و ان كان يريد فليس بامكانه الفوز بولاية ثالثة و أن الامركيين لن يقبلوا بذلك ..
هواية ترامب ظهرت منذ ولايته الاولى خلال و بعد حملته الانتخابية فهو يرقص مع ناخبيه و لا يشعر بأدنى حرج من اظهار شطارته في فن الرقص و يرقص على وقع النشيد الرسمي لبلد يزوره و ينضم الى الفرق الشعبية التي تاتي لاستقباله فيعمد الى الرقص معها …
خلال جولته الاسيوية هذا الاسبوع للمشاركة في قمة رابطة اسيان دول جنوب شرق اسيا ..رقص ترامب في قاعدة بوكوسوكا البحرية في اليابان ..لم يتوانى عن الرقص مع الجنود الامريكيين بلباسهم العسكري هناك ..و في العاصمة الماليزية كوالالمبور رقص ترامب على السجاد الاحمر بل و جعل رئيس الوزراء الماليزي أنور ابراهيم نفسه ينضم اليه في رقصه …يدرك ترامب جيدا أنه يثير بذلك الجدل على مختلف المواقع الاجتماعية و أنه يحرك وسائل الاعلام لتتابع أخباره و تنقل تحركاته و تقدمه على أنه رئيس منفتح على ثقافات الاخرين ..
خلال ولايته الرئاسية الاولى رقص ترامب في السعودية حاملا السيف في محاكاة لتقاليد المملكة ..
الرئيس الامريكي لا يتحرج من الرقص أمام الكاميرا بل هو يصر على ممارسة فن الرقص أمام الكاميرا و تحت أنظار العالم و هو يكتب بذلك خطابا ديبلوماسية خاصا كجزء من سياسته الشعبوية في استهداف أكبر عدد ممكن من المتتبعين ..البعض يرى في ذلك أن ترامب يعرف كيف يصنع الحدث حيثما حل و البعض يعتبر أن في ذلك ما يمكن أن يساعد في فهم شخصية ترامب المعقدة و هو الذي يصر على توقيع اختتام زياراته الرسمية بالرقص ..يقول مارجوري هرشي استاذ العلوم السياسية في جامعة انديانا أن ترامب يسعى برقصه ان يذكر انصاره و حزبه أنه الزعيم و أنه يسيطر على كل شيئ . قبل ترامب ظهر جو بايدن و هو يرقص و لكنه لم يثر ما أثاره ترامب من جدل ..كان الرئيس الروسي بوريس يلتسين أكثر الرؤساء الذين لا يتحرجون من الرقص أمام الكاميرا .. ليس من العادة أن يرقص الزعماء و الرؤساء أمام العلن و ليس بامكان أي كان أن يستفيد من ذلك فقد حاولت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي أن ترقص أمام فريق من الكشافة عندما كانت في زيارة الى نيروبي و لكنها تعرضت للاستهزاء ..لا يتردد ترامب في اعتماد الرقص للتباخر بانجازاته و التباهي بما يقوم به كصانع للسلام ..في اليابان يؤكد ترامب أن القواعد الامريكية و القوات الامريكية باقية هناك و قد أمكن له توقيع اتفاق بين كمبوديا و تايلند لانهاء نزاع حدودي ..ليس من الواضح ان كان ترامب سيرقص خلال زيارته الى الصين ليكسر الجليد بينه و بين الرئيس الصيني و تجاوز حرب الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على العالم ..تماما كما أنه ليس من الواضح ان كانت مغازلة ترامب للرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون و رغبته في لقاءه كما حدث في 2019 خلال ويته الاولى ستثمر أو ما اذا سيتجاهل الزعيم الكوري الشمالي طلب الرئيس الامريكي لاسيما بعد الاعلان عن الغاء لقاء ترامب بوتين ..ترامب يعشق الرقص و يجيد القفز على الحبال و على أنقاض الضحايا ..
كاتبة وصحفية تونسية

Al Enteshar Newspaper

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *