بعد 37 عاما على اغتيال الفلسطيني أليكس عودة – العدالة الأمريكية الناقصة

 بعد 37 عاما على اغتيال الفلسطيني أليكس عودة – العدالة الأمريكية الناقصة

عبد الحميد صيام

في الحادي عشر من أكتوبر 1985، قامت عناصر إرهابية تابعة لمنظمة «رابطة الدفاع اليهودية»( JDL) بزرع قنبلة في فوهة مفتاح مكتب اللجنة العربية لمكافحة التمييز (ADC) في سانتا آنا بمنطقة لوس أنجلس، وعندما وصل مدير المكتب، أليكس عودة، وأدار المفتاح في الفوهة انفجرت العبوة فورا فأردته شهيدا عن عمر لا يزيد عن الواحدة والأربعين عاما مخلفا وراءه زوجته نورما وبناته الثلاث، هلينيا (7 سنوات) وسامية (5 سنوات) وسوزان (سنة واحدة). تلك الجريمة النكراء أثارت ضجة واسعة في حينها كون الضحية مدنيا ليس له علاقة بالتطرف، بل هو إنسان لطيف وحضاري يقاوم التمييز والعنصرية وخطاب الكراهية عن طريق هذه المنظمة الوليدة التي أسسها جيمس أبو رزق عضو الكونغرس السابق، عام 1980، وعدد آخر من الناشطين العرب لمكافحة التمييز الذي بدأ يتصاعد في أواسط السبعينيات وأوائل الثمانينيات بعد ارتفاع الصوت والوجود العربيين في الولايات المتحدة.
في تلك الفترة بدأ الخطاب الأحادي في الولايات المتحدة يتراجع ويفسح المجال ولو جزئيا للصوت العربي بعد حرب أكتوبر 1973، وبعد زيارة ياسر عرفات للجمعية العامة عام 1974 وإلقاء خطابه الشهير حول غصن الزيتون وبندقية الثائر، ومنح منظمة التحرير الفلسطينية وضع المراقب في الأمم المتحدة، وتعييين سفير لفلسطين في نيويورك يتحدث باسم الفلسطينيين في المداولات والمؤتمرات الدولية. لقد دخلت القضية الفلسطينية نسيج الخطاب الإعلامي الأمريكي آنذاك، وهو ما لم يكن مسموحا به في منطقة نفوذ المنظمات الصهيوينة.

37 عاما مرت على الجريمة، وما زالت العدالة الأمريكية لم تأخذ مجراها، علما أن القتلة معروفون ومكان سكنهم معروف، فقد فروا إلى إسرائيل التي أمنت لهم الحماية

في تلك الفترة أقيمت عدة منظمات عربية وفلسطينية مهمة من بينها الرابطة العربية لخريجي الجامعات الأمريكية التي أسسها الأساتذة الكبار إدوارد سعيد وإبراهيم أبو لغد وسميح فرسون ونصير عاروري، رحمهم الله جميعا. كما أنشأ الفلسطينيون المجلس الفلسطيني لأمريكا الشمالية، ولجان حق العودة الفلسطينية، والصندوق العربي الفلسطيني، وجمعيات الهلال الأحمر الفلسطيني، وجمعية النجدة الفلسطينية، والاتحاد العام لطلبة فلسطين واتحاد المرأة الفلسطينية. لقد تضاعف الوجود العربي والفلسطيني في السبعينيات بسبب الحرب الأهلية في لبنان، وتسهيل هجرة الفلسطينيين عن قصد، وبدأت الهيمنة الصهيونية على المشهد الأمريكي وفرض الرواية الصهيونية تتصدع. وهذا ما أثار حنق التجمعات والمؤسسات ولجان تأييد الموقف الإسرائيلي، وأخذت رابطة الدفاع اليهودية بقيادة الإرهابي ماير كاهانا، الأمور على عاتقها في إسكات الصوت العربي والفلسطيني على الساحة الأمريكية بالقوة، إن لزم الأمر، خوفا من محاصرة الحق الفلسطيني للباطل الصهيوني. قاموا بمهاجمة مكتب منظمة التحرير في نيويورك واقتحموه بالقوة عام 1974 قبل وصول ياسر عرفات بأيام، وضربوا نائب ممثل منظمة التحرير حسن عبد الرحمن، ضربا مبرحا نقل على أثر ذلك للمستشفى، كانوا يرسلون مجموعة من البلاطجة يحاولون أن يفشلوا كل نشاط يقوم به العرب والفلسطينيون. كل مظاهرة يتم الاعتداء فيها على المشاركين، كل محاضرة يتم الاتصال والإدعاء أن قنبلة ستنفجر بعد دقائق لتفريغ القاعة من الحضور، كل نشيط تصله التهديدات بشكل متواصل، ومن بين الذي وصلتهم تهديدات مرارا وتكرارا المرحوم أليكس عودة، دون أن يكون هناك أي اهتمام بتلك التهديدات. وعندما يتم الاتصال بالأجهزة الأمنية للتحقيق في تلك التهديدات أو تأمين الحماية كانوا يقولون لا نستطيع أن نفعل شيئا للتهديدات، إلا إذا تحولت إلى «ممارسة» أي الانتظار إلى ما بعد ارتكاب الجريمة، ثم يفتح محضر للتحقيق قد لا ينتهي، أو لا يصل إلى نتيجة حاسمة وهذا ما حدث بالضبط في حادثة اغتيال أليكس عودة.
حكاية أليكس عودة
ولد أليكس (أليكسندر) عودة في بلدة جفنا القريبة من رام الله عام 1944 وهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1972 وبدأ يشارك في المناسبات الوطنية كافة، واختارته اللجنة العربية لمكافحة التمييز مديرا إقليميا لمنطقة لوس أنجلس ومقاطعة أورانج. وهو كاتب وشاعر ونشر ديوان شعر بعنوان «همسات في المنفى». تزوج ابنة بلدته جفنا نورما غطاس عام 1975 ورزقا ثلاث بنات. وكان يحاضر في الجامعات ويظهر في البرامج الحوارية على القنوات الرئيسية، ما سبب إزعاجا كبيرا للصهاينة، فقرروا تصفيته. وقد أثار مقتله ردود فعل واسعة حيث أدينت الجريمة حتى من الرئيس رونالد ريغان واللجنة اليهودية الأمريكية والرابطة الأمريكية لمكافحة التشهير. أما إيرف روبن رئيس رابطة الدفاع اليهودية فقال: «ليس لديّ دموع لأذرفها على السيد عودة. لقد نال ما يستحقه».
تكريم عودة سنويا
تقوم اللجنة العربية لمكافحة التمييز بعقد اجتماع سنوي في منطقة لوس أنجلس، تتزامن سنويا مع ذكرى اغتيال أليكس عودة، وكنت أحد المتحدثين في اللقاء يومي 7 و8 أكتوبر الحالي لأتحدث عن القضية الفلسطينية والخطاب الإعلامي في الأمم المتحدة، وكانت فرصة لي للتعرف أكثر على تفاصيل الحادثة، من خلال لقاء أرملة المرحوم نورما وابنته هيلينا. وأستطيع أن أقول إن أكثر ما يقلق الإنسان عندما يسمع تفاصيل الجريمة، موضوع العدالة الأمريكية الناقصة، التي تميز بين ضحية وأخرى وتكيل بمكيالين. 37 عاما بالتمام والكمال مرت على الجريمة، وما زالت العدالة الأمريكية لم تأخذ مجراها، علما أن القتلة معروفون ومكان سكنهم معروف، فقد فروا إلى إسرائيل التي أمنت لهم الحماية. ويستحضرني المثل المنتشر في بلد الشام: «شايف الذئب ويتتبع الأثر». تقول نورما أرملة الفقيد: «يوم الجمعة الماضي قابلت أنا وابنتي هيلينا ممثلين عن مكتب التحقيقيات الفيدرالي (FBI) وسألتهم السؤال نفسه الذي أساله دائما، أين وصلت التحقيقات في جريمة اغتيال أليكس؟ فرددوا المقولة نفسها، «متابعة التحقيقات أولوية قصوى عندنا». فقلت له، تابعت نورما، «بعد 37 سنة من الجريمة تعطوني الجواب نفسهالذي أعطيتموني إياه عندما التقيت بكم عام 1986». ولم يجدوا جوابا على سؤالها إلا تكرار الكلام المعاد نفسه حول متابعة التحقيقات. ثم سألت السيدة نورما ممثل مكتب التحقيقات «أنتم تعرفون القتلة، وهم موجودون في إسرائيل وفي مستوطنة كريات أربع قرب الخليل، فهل تريد أن تقول إن الولايات المتحدة بقوتها لم تتمكن من دخول إسرائيل خلال 37 عاما للتحقيق مع المتهمين واستجوابهم في إسرائيل، ناهيك من إحضارهم ليأخذوا قصاصهم هنا؟ فالقاتل أمريكي والمقتول أمريكي والجريمة تمت على أرض أمريكية، هل هناك أي منطق؟». وأضافت هيلينا أن المحقق قال إنهم يحاولون أن يستجوبوا المتهم فردت عليه: «تحاولون؟ كل هذه السنوات وأنتم تحاولون استجواب المتهم؟ لماذا لا تتوجهون إلى إسرائيل وتخضعونه للاستجواب؟ لكن جواب المحقق «ما زلنا نحاول». وقال وهو لا ينظر في عيوننا: «نحن آسفون. ما زلنا نعمل على القضية. هناك ضابط يعمل على هذا الملف منذ سبع سنوات. ولا نستطيع أن نعطيك مزيدا من المعلومات. نحقق تقدما وسنتابع التحقيق». فردت عليه نورما بكل صراحة: «لو كان الضحية يهوديا. هل سيأخذ التحقيق هذا الوقت؟ أعتقد أن اعتقال القاتل سيتم خلال أيام؟ هل لأن زوجي فلسطيني لا تعطون القضية أي اهتمام؟». بالفعل قلت للسيدة نورما، عندما قتل عربي في نيويورك المتطرف ماير كاهانا في 5 نوفمبر عام 1990 وهو رئيس رابطة الدفاع اليهودية الإرهابية، كم من الوقت استغرق اعتقال المتهم سيد نصير؟ أعتقل خلال ساعات ووضع السجن وحكم لمدة 22 سنة أولا ولكن أعيد النظر في الحكم وتغير إلى السجن المؤبد. المتهمان معروفان تماما وقد فرا إلى إسرائيل ويعيشان في مستوطنة كريات أربع في إسرائيل كل هذا الوقت وهما: آندي غرين الذي غير اسمه عندما لجأ لإسرائيل وأصبح اسمه باروخ بن يوسف، وكيث فوخس. والغريب أن كل هذه السنوات لم تحاول السلطات الأمريكية الوصول إليهما أو التحقيق معهما في مكان إقامتهما ولا حاولت إعادتهما إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمحاكمتهما هنا، علما أن هناك اتفاقية تبادل مجرمين بين البلدين. فقد أعادت الولايات المتحدة الفلسطيني زياد أبو عين عام 1981 بتهمة مشاركته في نشاط ممنوع داخل الكيان الصهيوني، ورغم كل محاولات المحامين وتدخلات الدول وكبار المسؤولين، إلا أن أمريكا سلمته مقيدا، كما سحبت جنسية رسمية عودة عام 2017 وأعادتها إلى الأردن بناء على معلومات استخباراتية من الكيان الصهيوني. ومن جهة أخرى رحلت إسرائيل غيرشون كرانزـ المتهم بالاعتداء الجنسي على طفلتين إحداهما ذات ست سنوات ثم اختبأ في إسرائيل لمدة عشر سنوات إلى أن أعيد تسليمه إلى السلطات في نيويورك يوم 12 مارس 2012.
هذه هي العدالة الأمريكية الناقصة عندما يتعلق الأمر بعربي فلسطيني نشيط ومثقف أردي على يد متطرف يهودي. عندها تتوقف العدالة وتغيب عن المشهد. لكن ستنصفك عدالة السماء يا أليكس.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بولاية نيوجرسي

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *