اليمين الإسرائيلي المتطرف رديف للسياسات الرسمية

 اليمين الإسرائيلي المتطرف رديف للسياسات الرسمية

نهاد أبو غوش

يوفّر القانون الإسرائيلي لأعضاء البرلمان (الكنيست) حصانة واسعة تمكنهم من دخول أماكن وزيارة مناطق يحظر على الجمهور العادي دخولها، يستفيد النواب من هذه الحصانة في تعزيز قدراتهم الرقابية على أداء الحكومة، أو لتنفيذ أجنداتهم الخاصة كما يفعل النواب العرب حين يستغلون هذه الميزة في زيارة السجون واللقاء بالأسرى الفلسطينيين الذين يخضعون لعقوبات قاسية كالعزل أو الحرمان من زيارة المحامين والأهل. أما نواب اليمين المتشدد، فيستثمرون الحصانة في تنفيذ برامج الجماعات الاستيطانية المتطرفة مثل اقتحام المسجد الأقصى، أو القيام بزيارات استفزازية للبلدات العربية تحت حماية الشرطة.           

بعد انتهاء الاحتفالات اليهودية بعيد الفصح وما رافقها من اقتحامات استفزازية للحرم القدس ي الشريف، منعت الحكومة الإسرائيلية النائب اليميني المتطرف إيتامار بن غفير من تنفيذ وقيادة مسيرة الأعلام الاستفزازية في محيط البلدة القديمة من مدينة القدس، وسط الشوارع والأحياء العربية الفلسطينية، وكان الهدف من هذا الإجراء تخفيف حدة الاحتكاك مع الفلسطينيين في العشر الأواخر من رمضان، وللحيلولة دون وقوع تصعيد خطير قد يؤدي إلى إعادة توحيد الساحات الفلسطينية، وتحديدا قطاع غزة بمقاومته المسلحة والداخل المحتل عام 1948 بجماهيره التي تعيش وسط الإسرائيليين، كما أن حكومة بينيت – لابيد الضعيفة، لا تريد لهذا النائب المعارض أن يفرض على إسرائيل أجنداتها الوطنية والأمنية، ويورطها في مواجهات غير محسوبة قد تطيح بهذه الحكومة وبما يصب في مصلحة المعارضة بزعامة رئيس حزب الليكود ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

بن غفير لم يسلّم بمنعه وشنّ حملة شعواء على الحكومة وأجهزتها، وتحديدا ضد أمنون بار رئيس المخابرات العامة المعروفة ب (الشاباك)، وعقب ذلك أصدر جهاز الشاباك بيانا استثنائيا، نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت فجر 30/4/2022، معللا منع بن غفير من وصول منطقة باب العامود، ب”توفر معلومات استخبارية مؤكدة تفيد بأن مثل هذه الزيارة تلحق أذى بليغا بأمن دولة إسرائيل ومواطنيها”.         وقد برز اسم هذا النائب الإسرائيلي خلال المواجهات الأخيرة في القدس والمسجد الأقصى، كما برز خلال مواجهات أيار / مايو من العام الماضي، حيث افتتح مكتبا في حي الشيخ جراح متزعما مجموعات المستوطنين في محاولاتها إخلاء سكان الحي الفلسطينيين.

وبن غفير هذا (46 عاما) هو زعيم حزب “قوة يهودية”، وسليل منظمة (كاخ) الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل التي أسسها الحاخام مائير كهانا، ولكنها بعد مقتل مؤسسها عام 1990، ثم حظرها قانونيا في العام 1994 اتخذت لنفسها أسماء مختلفة في كل مرة وحافظت على حضورها الميداني دون التمثيل البرلماني. وتمكنت هذه الجماعة من انتزاع شرعية وجودها السياسي وأن تتمثل مجددا في البرلمان بعد فشلها عدة مرات، على أثر الجهود الاستثنائية التي بذلها بنيامين نتنياهو في توحيد ثلاث جماعات متطرفة هي تكوما وقوة يهودية ونوعام، وقد حصل هذا الحزب الموحد واسمه الصهيونية الدينية على ستة مقاعد في انتخابات آذار 2021، لكنه بقي في صفوف المعارضة.  

مواقف بن غفير وسلوكه العدواني وتبنّيه الصريح للعنف، سبّب كثيرا من الحرج للحكومة وأجهزتها الأمنية ما استدعى منعه من القيام بمسيرة الأعلام، والتي هي أشبه ما تكون بمسيرة احتفالية يقوم بها غلاة المتطرفين الإسرائيليين اليهود في ضواحي القدس الشرقية لمناسبة يوم القدس وفق التقويم العبري، أي احتفاء بتحريرها من العرب!  

وقبل الخوض في خلفيات هذا النائب يجدر بنا إبداء الحذر، لأن حصر صفة التطرف فيه وفي من هم على شاكلته، من شأنه أن يُظهر كلا من بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت كَسِياسِيَّيْن مُعتدلَيْن، مع أن الأخير لا يختلف كثيرا في مواقفه السياسية والأيديولوجية عن بن غفير. فكلاهما يرفض منح أية حقوق سياسية للفلسطينيين، ويدعم التسريع في تهويد مدينة القدس، وهما يستندان إلى قاعدة انتخابية واحدة هي جمهور المستوطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس، ويؤيدان الاستيطان من دون قيود أو شروط.

ولعل الفارق الرئيسي بين يمينية نتنياهو وبينيت من جهة ويمينية بن غفير من جهة مقابلة، هو أن الفريق الأول يستخدم أدوات الدولة وجيشها وقوانينها وأجهزتها لتنفيذ مخططاته، بينما الفريق الثاني لا يعبأ بأية قوانين محلية أو دولية، هذا الفارق يشبه إلى حد كبير الفارق بين المستوطنات القانونية وغير القانونية، الأولى أقرتها الحكومة والثانية بناها المستوطنون على عاتقهم. 

عرفت إسرائيل عبر تاريخها انقساما تقليديا بين قوى اليسار الصهيوني الذي مثله بشكل خاص حزبا (مباي) و(مبام)، ولاحقا حزبا العمل وميريتس، وبين قوى اليمين بقيادة حزبها الأبرز (الليكود)، وإلى جانب هذين المعسكرين الرئيسيين وجدت أحزاب المتدينين المتزمتين المعروفين ب(الحريديم) التي غالبا ما تحالفت مع الحزب الحاكم. ودائما تواجدت على يمين حزب الليكود أحزاب أكثر تطرفا في موقفها من العرب والفلسطينيين. تبدّلت هذه الأحزاب وتغيرت قياداتها، لكنها شكلت دائما رديفا داعما وحليفا ثابتا لحزب الليكود، ومن بينها احزاب النهضة (تكوما) برئاسة غيؤولا كوهين، و(تسومت) برئاسة رفائيل ايتان، و(موليديت) بزعامة داعية الترانسفير رحبعام زئيفي.     

خلال العقدين الأخيرين بدأت تتبلور مجموعات تمثل اتجاها سياسيا جديدا آخذا في النمو يسميه البعض (الحردلية) بنحت ومزج كلمتين عبريتين معناهما الدينية الوطنية. وهو اتجاه يدمج القومية الصهيونية المتشددة، بما يناسبها من نبوءات ورؤى دينية منتقاة، يقود ذلك إلى وجود مجموعات سياسية واسعة التأثير وتتصرف في سلوكها اليومي وكأنها لم تنته بعد من معركة تحررها الوطني ضد “الاحتلال” العربي والفلسطيني لأرض إسرائيل!

تتبنى هذه الجماعات الحردلية العنف ضد الفلسطينيين فكرا وممارسة، وتشرّع سرقة أراضيهم والسيطرة عليها بالقوة لكونها هبة من الربّ لليهود وحدهم، وإذا كانت هذه الجماعات في الماضي تسبب بعض الحرج لحكومات إسرائيل، فإنها ومع انزياح إسرائيل برمتها نحو اليمين واليمين المتطرف، باتت جزءا رئيسيا من الخريطة السياسية، ولا ينحصر وجود هذا الاتجاه اليمينيين يمينا والصهيونية الدينية، بل يمتد إلى داخل حزب الليكود وأمل جديد برئاسة جدعون ساعر، وحتى لحزب يسرائيل بيتينو ذي المنحى العلماني الواضح.      

قد شكلت هذه القوى الحردلية من خلال اندماجها مع الحركات غير الحزبية التي تشاطرها المواقف والآراء، مثل الجماعات الاستيطانية وجماعات بناء الهيكل وبعض الجمعيات ذات الصبغة الاجتماعية أو الدينية، رديفا دائما للحكومات الإسرائيلية وأداة بيد هذه الأخيرة لتنفيذ المخططات الاستيطانية، كما وفّرت هذه الجماعات ذريعة دائمة تستخدمها الحكومات المتعاقبة للتملص من تقديم اية تنازلات بحجة الخشية من احتجاجات المتطرفين

Editor Editor

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *