القمم العربية الصينية الثلاث… هل تجاوزت الخطوط الأمريكية الحمر؟
الإنتشار العربي :السفير الدكتور رجب السقيري
قبل الولوج في تحليل أسباب وتداعيات القلق الأمريكي من انعقاد ثلاث قمم عربية صينية في العاصمة السعودية خلال الأسبوع الماضي لا بد من التنويه بأن المبادرة الأولى لتطوير ومأسسة التعاون العربي الصيني ، عن طريق إقامة منتدى يعنى بهذا الهدف ، قد جاءت من مجلس السفراء العرب في بكين خلال السنوات الأولى من الألفية الحالية ، وذلك بعد الحصول على موافقة الدول العربية الممثلة في المجلس والتشاور مع جامعة الدول العربية. أقول هذا ، وكنت شاهداً عليه ومشاركاً فيه ، أقوله للتاريخ وإحقاقاً للحق وإنصافاً للمجلس الذي حقق اختراقاً ولعب دور الجندي المجهول خلال السنوات الأربع التي استغرقتها بلورة الأفكار الرئيسة التي أقيم منتدى التعاون العربي الصيني على أساسها (كان رئيس المجلس في ذلك الوقت السفير الليبي مفتاح ماضي أطال الله عمره) . ولا أريد في هذه العجالة أن أخوض في الإرهاصات التي تخللت قيام المجلس بإقناع الجانب الصيني والجامعة العربية بأهمية وحيوية فكرة إقامة المنتدى الذي خرج إلى حيز الوجود في خريف عام 2004 ، آملاً أن تتاح الفرصة في مقالٍ لاحق مستقبلاً للحديث عن هذا الأمر بالتفصيل .
بقي أن أشير بإيجاز إلى أن فكرة إقامة المنتدى كما بلورها المجلس واقتنعت بها جامعة الدول العربية قد قامت على الأسس الرئيسة التالية : (١) أن التعاون والشراكة المنشودة ليست تحالفاً ضد أحد ؛ (٢) إن الدول العربية كالصين تسعى إلى التعاون من أجل عالم متوازن متعدد الأطراف ؛ (٣) إن للعرب قضية مركزية هي قضية فلسطين كما للصين قضية مركزية هي تايوان ؛ (٤) ثمة آفاق واسعة وواعدة لشراكة عربية صينية في مجالات متعددة بما فيها المجالات الاقتصادية والتجارية ؛ (٥) ثمة أساس متين لهذه الشراكة يتمثل بالعلاقات التاريخية الضاربة في القدم بين الجانبين العربي والصيني.
القمم الثلاث والخطوط الحمر
يشكل انعقاد ثلاث قمم عربية صينية في الرياض (قمة سعودية صينية وأخرى خليجية صينية وثالثة عربية صينية) خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي تحدياً للولايات المتحدة وبالذات لإدارة الرئيس جو بايدن ، حيث جاء هذا الحدث الهام على خلفية التوتر الناشئ عن استياء واشنطن من قرار تكتل أوبك بلاس خفض إنتاج النفط بشكل يرفع أسعاره عالمياً ويفاقم مشكلة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية .
كذلك تنظر واشنطن بعين الشك والريبة إلى أي تقارب بين الصين والدول العربية وبالذات السعودية ودول الخليج الأخرى ، فما بالك عندما تلمس واشنطن أن ثمة توجهات نحو عقد شراكة استراتيجية بين الصين والدول العربية ، لا سيما الدول التي ترتبط مع واشنطن بعلاقة تحالف وثيقة مثل المملكة العربية السعودية ، خاصةً وأنها ، أي واشنطن ، تريد المحافظة على نفوذها في المنطقة ، وبالذات على معادلة النفط مقابل الأمن مع السعودية ، تلك المعادلة القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . لهذا شرعت واشنطن منذ أن أُعلن قبل عدة أسابيع عن زيارة قادمة للرئيس الصيني إلى الرياض بالاستعداد لردود الفعل التي تمثلت حتى الآن في أمرين رئيسين :
الأول هو التأكيدات التي أخذت إدارة بايدن بإطلاقها في وسائل الإعلام وضمَّنتها في استراتيجيتها للأمن القومي وقالها الرئيس بايدن بصريح العبارة ، خلال زيارته للسعودية قبل عدة أشهر ، بأن الولايات المتحدة لن تترك فراغاً في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تملأه الصين وروسيا ، وأن تواجدها في المنطقة ضروري لعدة أسباب أهمها منع إيران من امتلاك سلاح نووي ومنعها من الهيمنة وزعزعة استقرار المنطقة على حد تعبيره .
الأمر الثاني ، الذي جاء مؤشراً على بداية عملية الاستقطاب التي تنتهجها واشنطن للمحافظة على زعامتها للنظام الدولي ، تمثل في عقد قمة أمريكية – أفريقية ، بعد أسبوع واحد فقط من القمم العربية الصينية ، تضم حوالي خمسةً وأربعين دولة من القارة السمراء . وقد رشحت أنباء أن بايدن ينوي تقديم ” رشوة ” إلى القادة الأفارقة عن طريق منح دول الاتحاد الأفريقي مقعداً آخر في مجموعة العشرين ، التي تضم أكبر اقتصادات العالم ، وذلك إضافة إلى المقعد الوحيد الذي تشغله جنوب أفريقيا حالياً في المجموعة ، كما تواترت أنباء حول عزم واشنطن على تقديم دعم للتنمية الاقتصادية في أفريقيا خلال السنوات الثلاث المقبلة بقيمة 550 مليار دولار ، وقد نتناول محاولة الاحتواء هذه بتفصيلٍ أكبر في مقالٍ قادم بعد انتهاء القمة واتضاح مراميها ونتائجها.
القمم الصينية العربية والخط الأمريكي الأحمر
ربما ترى الولايات المتحدة في القمم الصينية مع العالم العربي خطاً أحمر لا تسمح بتجاوزه وذلك اعتقاداً منها أن طموحات الصين لا تقتصر على تأمين حاجتها من الطاقة وإيجاد مزيدٍ من الأسواق لتجارتها في منطقة الخليج ، بل إن ما يثير حفيظة واشنطن هو اعتقادها أن الصين عازمة على التواجد العسكري في المنطقة بكل ما يحمله ذلك من مخاطر وهواجس أمريكية وإسرائيلية خاصةً في ظل التحالف الثلاثي الناشيء بين الصين وروسيا وإيران .
لكن ، هل تسعى دول الخليج فعلاّ لاستبدال التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة بتواجد عسكري صيني ؟ طبعاً لا ، حيث أن دول الخليج تعتقد جازمةً ، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا ، وبما لا يدع مجالاً للشك أن الخطر المحدق بها والذي يهدد أمنها واستقرارها قادم من إيران ، فكيف تسلم هذه الدول ذقنها لقوة عظمى هي الصين التي تربطها شراكة متنامية مع كلٍ من روسيا وإيران . وعليه فإن تلك الهواجس الأمريكية ، إن وجدت ، بعيدة عن الواقع ، وإن واشنطن تهدف من محاولات الاستقطاب في الشرق الأوسط وفي مناطق العالم الأخرى إلى المحافظة على قيادتها للنظام العالمي ومنع “المنافس” الصيني من تحقيق اختراق يؤدي إلى هيمنته على العديد من مناطق العالم وبالتالي تأمل واشنطن تجنب قيام حرب باردة جديدة ، لا سيما وأن حرباً ساخنة قائمة حالياً في أوكرانيا تنذر بالويل والثبور وعظائم الأمور .سفير سابق لدى الصين وباحث في العلاقات الدولية
والدراسات الدبلوماسية