اجتماع القاهرة والموقف العربي من مشاريع ترامب برعاية “أبو الكلام عزام”
كمال خلف
ليس اليوم منذ اللحظة الأولى التي أنشأت الجامعة العربية عام 1945 كمؤسسة يتم من خلالها بلورة موقف عربي موحد يرعى مصالح الشعوب العربية ويدافع عن امن وسلامة الدول العربية، نظرت الشعوب اليها باعتبارها ظاهرة صوتية لا تسمن ولا تغني من جوع، ولم تأخذ على محل الجد والاهتمام كل البيانات والمواقف التي تبدو موحدة الصادرة عنها، وكان اول امين عام لهذه الجامعة الغير جامعة ” عبد الرحمن عزام ” او عزام باشا كما كان يناديه الوزراء والقادة، بينما كان يطلق عليه العامة في الشارع العربي “أبو الكلام عزام”. وعلى ذكر “عبد الرحمن عزام” كان الرجل قبل ان يصبح امينا عاما لجامعة العرب، يؤمن بالقومية الفرعونية وينظر لها .
لم تكن المشكلة يوميا في المؤسسة هذه بحد ذاتها، انما هي مرآة عاكسه للواقع العربي والانقسام والتشتت والضعف في مواقف الدول التي تنضوي تحت مظلتها المثقوبة .
مناسبة حديثنا عن “أبو الكلام عزام” هو الاجتماع السداسي الذي عقد في القاهرة السبت الماضي على مستوى وزراء الخارجية وضم مصر والأردن ومنظمة التحرير وعدد من الدول الخليجية بالإضافة الى امين عام جامعة الدول العربية “احمد أبو الغيط”. والذي جاء للتنسيق لمواجهة إصرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على تهجير الفلسطينيين في غزة الى مصر والأردن . والمفارقة التي لا تخلو من الصلف وتدلل على مدى احتقار الولايات المتحدة لدولنا وشعوبنا، ان ترامب نفسه انتهج سياسية صارمة ومجحفة لطرد المهاجرين من بلاده، ووضع قيود على الهجرة، ورفع شعار أمريكا أولا، بينما يصر على تهجير أصحاب الأرض من غزة وربما لاحقا الضفة الى الأردن ومصر ودول أخرى. والامر المدهش ان دونالد ترامب ورغم رفض مصر والأردن الواضح لهذه المشاريع، اصر على ان هذه الدول سوف تقبل في نهاية المطاف، وكانه يقول هذا الرفض لا يعني شيئا وليس القرار قرارهم انما نحن في الولايات المتحدة نقرر عنهم. واتبع إصراره هذا بجملة تقول “نحن نفعل لهم الكثير”.
واعتقد ان هذه الجملة هي جوهر ما يرمي اليه ترامب في التعامل مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية. هو بشكل مبطن يقول ان هذه الدول ومنظمة التحرير تتلقى مساعدات واموال من الولايات المتحدة، وعليهم ان رفضوا استقبال المرحلين من أبناء غزة او الضفة ان يتوقعوا ان نقطع عنهم هذه المساعدات . وفي الوقت الذي تعاني منه مصر والأردن والسلطة من أزمات اقتصادية فان منع الولايات المتحدة هذه المنح المالية والمساعدات سوف يؤثر تأثيرا مباشرا عليها . قطع المساعدات قد يكون هو هدف ترامب التالي في اطار استراتيجية معلنة له، تعتمد على عدم منح الأموال وتقديم المنح لدول ومنظمات ومؤسسات دولية، فهو فعل هذه السياسية تجاه الحلف الأطلسي نفسه في ولايته السابقة، وطالب الدول الأعضاء بدفع الحصة الأكبر من موازنة الحلف، وكذلك قطع الحصة المالية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الاونروا” ومنظمة التحرير، وسيفعل ذلك في ولايته الجديدة، كما ينوي وقف تدفق الأموال لصالح الحرب في أوكرانيا . هي اتجاه عام في سياسية ترامب واضحة.
اما عن خلفية هذه المساعدات التي تمنح لكل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، فهي سياسية، السبب فيها ان هذه الدول وقعت اتفاقات “سلام” مع إسرائيل، وان هذه الحوافز تعزز هذه الاتفاقات وتحافظ عليها لصالح إسرائيل وسياسية الولايات المتحدة في المنطقة القائمة على تدعيم وضع الدول التي تبرم اتفاقات ” سلام وتطبيع مع دولة الاحتلال. وهذه الوضعية حافظت عليها الإدارات المتعاقبة منذ توقيع اتفاق “كامب ديفيد” مع مصر عام 1979 وصولا لاتفاقات وادي عربة مع الأردن واسلو مع السلطة الفلسطينية .
لكن إدارة ترامب ليس فقط لا نها إدارة مختلفة عن قماشة الإدارة السابقة ومن خارج المنظومة التقليدية او ما يسمى الدولة العميقة في الولايات المتحدة، انما الأهم هو اختلاف الظروف والبيئة السياسية والأمنية في المنطقة العربية، هذا التحول الذي جعل إسرائيل ليست صاحبة الحاجة الأكبر لاتفاقات السلام هذه، انما الدول العربية المنضوية اليها، والتي باتت تتمسك بها بصورة مصيرية حتى على حساب مصالحها وامنها القومي ومصالح شعوبها وشعوب المنطقة . فنفذت إسرائيل الى عمق المنطقة العربية من خلال اتفاقات التطبيع الابراهيمية مع الامارات والبحرين والسودان، والان تجري إسرائيل والإدارة الامريكية الاستعدادات العملية للخطوة الأكبر نحو التطبيع مع السعودية، إضافة الى تغييرات مفصلية تمثلت في سقوط النظام السوري، وعدم قدرة ورغبة النظام البديل على مواجهة إسرائيل حتى بالموقف السياسي عندما تقدمت القوات الإسرائيلية لتحتل مساحات واسعة من الجنوب السوري، وتمزيق اتفاقية الهدنة عام 1974 . لم يكن الامر في سورية يقتصر على سقوط نظام معادي لإسرائيل، انما تم ضرب حجر الزاوية في تحالف يشمل ايران وحزب الله وغزة وفصائل مقاومة في العراق .
كما اتم اضعاف حزب الله في الحرب الأخيرة، وقطع خطوط امداده، ومحاصرته حتى بالتركيبة المحلية الداخلية للحكم في لبنان . امام هذه التغييرات الجيوسياسية، والأمنية، لم تعد اتفاقات مثل وادي عربة وكامب ديفيد واسلو تشكل مكتسبات نادرة، تتطلب دفع الإدارة الامريكية أموال لهذه الأطراف للحفاظ عليها باعتبارها أسس وركائز للامن الإسرائيلي ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية . لهذا السبب يقول ترامب بالفم الملآن لهم عليكم ان تستقبلوا من سنقوم بتهجيرهم من غزة والضفة، لأننا نفعل لكم الكثير . وبكل اسف ساهمت سياسات هذه الدول نفسها، وصمتها، وخدمتها للسياسيات الامريكية بدون مراعاة مصالح شعوبها، في وصولها الى هذا الحال .
انهار الامن القومي العربي، وانهارت معه المنطقة امام الاطماع الإسرائيلية، وحوصرت قوى المقاومة فيها ليست المسلحة فحسب بل المقاومة الفكرية والسياسية والثقافية، وتم شيطنتها بذرائع شتى، وشاركت نخب عربية وأنظمة وذباب الكتروني ووسائل اعلام في تدعيم مشاريع الانقسام الطائفي المذهبي والترويج لثقافة الخضوع والسير بركب كل ما تطلبه أمريكا وإسرائيل. والان وصلت السكاكين الى الرقاب.
الرفض العربي الرسمي لسياسات ترامب يفتقد الى الانياب والمخالب، لذلك هو كلام، برعاية “أبو الكلام عزام”.
كاتب واعلامي